قصة بعنوان:أنا وأنت والقدر


سأروي لكم قصة معاناتي, لم أتألم من الحب, ولم يكسر قلبي الرجل الذي أحببته, حكايتي هي مأساة قدر فحسب..
أنا فتاة في العشرين من عمري, والدتي توفيت منذ كنت في التاسعة, أعيش أنا ووالدي وأختي التي تكبرني بعام في منزل كبير.. كان من المفترض أن يتسع لـ أربعة أشخاص..
أدرس في الجامعة أنا وصديقتي المقربة, لدي أصدقاء كثر, أحب أن أضحك معهم وأمزح معهم, فهؤلاء الأصدقاء مهما كان مزاجك, حزينا, وحيدا, أو حتى غاضباً سوف يجبرونك على الضحك !
في يوم من الأيام بينما كنت أركض مسرعةٌ في الجامعة, اصتدمت بذلك الشاب ..
أنا : أنا آسفة .. حقاً أنا آسفة.. لقد تأخرت على محاضرتي...
هو : ههههه لا تقلقي, هل أنت بخير؟
أنا : نعم, شكراً لك..
أراد أن يضيف شيئاً ولكني قاطعته واستأذنت أن أذهب إلى المحاضرة, فأنا جداً متأخرة !
دخلت إلى المحاضرة, وضعت كتبي وأغراضي ولكن مهلاً, أين هاتفي؟ بحثت بين أغراضي مجدداً لم أجده, كم أنا غبية ! ربما نسيته في المنزل ! ماذا لو نسيته في سيارة الأجرة !


بعد انتهاء المحاضرة خرجنا أنا وصديقتي مجد..
مجد : ماذا لو نسيتيه في المنزل؟؟
أنا : المصيبة أني لا أذكر أين وضعته !
مجد : ماذا لو سقط منكي عندما اصتدمتي بذلك الشاب؟؟
أنا : نعم ! أظن ذلك ! فقد سقطت كتبي وأغراضي كلها ! ولملمتهم على عجلة من أمري وذهبت مسرعة !
لم أكمل كلامي حتى رأيت الشاب يتقدم نحوي, أعتقد الآن أني غبية جداً ! كيف لم أنتبه إلى هاتفي !
هو : مرحبا .
أنا : أهلاً .
هو : لقد سقط منك هاتفك في الصباح, وحاولت أن أعطيك إياه ولكنك ذهبتي !
أنا : أه.. شكراً لك.. لو تعلم كم كان حجم القلق الذي عانيته منذ قليل, اعتقدت أنني أضعته !
هو : العفو.. أنت طالبة جديدة هنا ؟
هنا استأذنت صديقتي مجد منا وذهبت ! دائما هي هكذا, تتركني في مثل هذه المواقف لأذوب من خجلي وأنا أقف وحيدة مع هذا الشاب !
أنا : أنا طالبة في السنة الثانية, لست جديدة كثيراً ..
هو : أنا لؤي , طالب في السنة الرابعة هنا ..
أنا : وأنا ساره , تشرفت بمعرفتك .
وهكذا تم اللقاء, وانتهى يومي الجامعي بشكل عادي . أصبحت أرى لؤي في كل يوم أحياناً يلقى عليّ الصباح ويذهب, وأحياناً يقف معي ونتحدث قليلاً..

كان شاباً طموحاً, يحب الحياة, جادٌ فيما يتعلق بأمور العمل, كان لطيفا جداً بالتعامل معي, أصبحنا نتحدث أكثر وأكثر, وأصبحنا نتقرب من بعض بشكل ملحوظ .
أخبرني عن حياته منذ الصغر, حدثني عن أمه التي فقدها منذ كان في التاسعة من عمره ! نعم مثلي تماماً ! توفيت والدته بالمرض الخبيث ذاته الذي أردى بحياة أمي أنا أيضاً ! أعتقد أن كلانا كان فاقداً لنفس نوع الحنان, وهذا ما جعلنا نتعلق ببعض بشكل كبير !
لؤي : أنت حنونة جداً, أنا أبحث منذ زمن عن هذا الحنان .
أنا : ولكن ألم تسمع بمقولة فاقد الشيء لا يعطيه؟!
كاذب جداً هذا المثل !
هو : ولكن أنت لست كذلك !
لم أكن يوماً من النوع الذي يروي حزنه طلباً للشفقة ! لم أكن أبداً ممن يعبرون عما بداخلهم بسهولة ! كنت أجد صعوبة في إيجاد من يفهمني وأفهمه ! من يسمعني بأذن صاغية وفم أخرس !
ولحسن حظي كان لدي مجد صديقتي, كانت ممن يتقنون فن الإستماع عند الحاجة, وكانت من أشد الناس ذكاءاً في إعطاء النصائح, كانت تخاف عليّ تماماً مثل أختي, بل أكثر !
وفي يوم من الأيام..
لؤي : ساره أريد أن أخبرك شيئاً, ولكن عديني بأن لا تغضبي !
أنا : ما الأمر؟ لقد بدأت أشعر بالقلق !


أنا : ما الأمر؟ لقد بدأت أشعر بالقلق !
هو : أنت فتاة رائعة, طيبة القلب, حقاً لم أرى فتاة صادقة ورائعة مثلك من قبل..
أنا : و.... ؟
هو : باختصار... ودون مقدمات, أنا أحبك !
أنا : ........
هو : ساره , ما بكِ؟ تكلمي, قولي أي شيء !
أنا : وأنا.... وأنا أيضاً.. أعتقد أني أحبك !
بدأت علامات الفرح تظهر على عيناه !
هو : تعتقدين ؟؟!
أنا : لا, لا , أنا أعني.. أنا أيضا.. أحبك !
هو : يا إلهي ! أنا لا أصدق ما أسمع ! حقا ؟ أتحبيبنني ؟
أنا : نعم, أنا أحبك !
هو : وأنا أعشقك جداً, وجداً, وجداً !
كان أمراً بديهياً أن نقع في الحب, هو يشبهني كثيراً بشخصيته ! كان جاداً في العلاقة إلى أكبر حد, كان يعتذر مني دائماً قائلاً : أنا آسف, لو مان الأمر بيدي لتقدمت لخطبتك الآن, ولكن عليّ أن أتخرج أولاً !
كنت أطمئه دائماً, لا نريد الاستعجال, دعنا نتعلق ببعضنا البعض أكثر فأكثر...
ومضت الأيام, كانت من أفضل أيام حياتي, منحني لؤي من الحب كثيراً, ومنحته من الحنان ولم أبخل, كان رقيق القلب, يحبني بصدق, كان يحاول دائماً أن يضحكني ويرفه عني بشتّى الطرق, لا يحب أن يراني حزينة !
أعتقد الآن أن فاقد الشيء يعطيه, ولكن لمن يحب !


وفي يوم من الأيام...
أنا : مجد دعينا نخرج, لا أشعر أني على ما يرام .
استأذنت مجد من الأستاذ حتى نخرج من المحاضرة .
مجد : ما بك حبيبتي ؟
أنا : لا أعلم, أشعر بالدوار !
مجد : هذا لأنك لم تتناولي الفطور كعادتك ! تعالي لنأتي لك بشيء تأكليه !
مشينا قليلاً, وهنا فقدت توازني, كدت أن أسقد أرضاً لولا أن أمسكت بي مجد ! والتم حشد من طلاب الجامعة حولنا !
مجد : ساره ما بك؟ هل أنت بخير؟ قولي لي بماذا تشعرين؟
أنا : أنا بخير لا تقلقي ..
مجد : هيا بنا سوف نذهب إلى المشفى, يوجد مشفى قريبٌ من هنا !
أنا : لا لا, أنا بخير صدقيني !
مجد : لن أقبل أعذاراً ! يجب أن أطمئن عليكِ !
أنا : أنا بخير, إنه مجرد صداع خفيف لأني لم أتناول شيئاً منذ الصباح !
لحسن حظي اقتنعت مجد, ولحسن حظي أيضاً لم يكن لؤي على هذا المشهد !
لؤي على الهاتف..
هو : ألو, حبيبتي, ماذا بك؟ هل أنت بخير؟؟
أنا : نعم حبيبي أنا بأحسن حال !
هو : ما الذي حدث بالجامعة اليوم؟؟؟
أنا : اها لم تستطع مجد إلا أن تخبرك ! لا شيء حبيبي, مجرد إرهاق من قلة الطعام .
هو : سلامتك ألف سلامة حبيبتي, يا عمري يا روحي اهتمي بصحتك من أجلي ! لا تهملي نفسك !
أنا : لا تقلق حبيبي, سوف أهتم بنفسي .
هو : أكلتي ؟؟
أنا : نعم يا روحي أكلت .
كل هذا الخوف وهو فقط سمع بما حدث, ماذا لو كان موجوداً ! أعتقد أنه كان سوف يضعني في العناية المركزة!


وبعد مدة, أصبح هذا الدوار يلازمني دائماً, لم أخبر أحداً بالأمر, لا أريد أن أشعرهم بالقلق !
أصبحت أتناول مسكن لآلام الرأس والدوار في الصباح والمساء حتى أستطيع أن أكمل يومي بشكل عاديّ !
لؤي : حبيبتي باقي شهرين وسوف أتخرج, أتعلمين ماذا يعني هذا؟؟
أنا : ماذا ؟؟
هو : سوف نتزوج بإذن الله ! سوف أتقدم لخطبتك بعد تخرجي إن شاء الله !
أنا : إن شاء الله حبيبي ! سوف يكون أسعد أيام حياتي !
هو : أنت لي, لي وحدي, أنت زوجتي !
أنا : حبيبي وأنت عمري ! يا زوجي المستقبلي !
هو : أحبك .
أنا : وأنا أيضاً أحبك جداً !
لم أحسب حساب آلالام رأسي يوماً, لم أقلق بها أبداً, حتى أني ما استشرت طبيباً ! إلى أن أتى ذلك اليوم .....
كنت أمشي مع صديقتي مجد, انتهينا من دوام الجامعة, وفي طريقنا إلى الخروج, من دون سابق إنذار, سقطت أرضاً مغماً عليّ !
سمعت صوت صراخ صديقتي, وسمعت أقداماً كثيرة تركض, وبعدها لم أسمع شيء !
مجد بصوت مبحوح : هل أنت بخير يا عمري ؟
أفتح عيناي في غرفة بيضاء..
أنا : ما الذي حدث ؟؟
مجد : كنا في طريقنا للخروج من الجامعة, وسقطتِ وأغمي عليكِ !
أتى بعدها الطبيب وطلب من مجد أن تخرج قليلاً ليطمئن على حالتي .


الدكتور : بماذا تشعرين؟؟
أنا : أشعر بصداع قوي .
الدكتور : هل سبق أن عانيت من هذا الصداع؟ أو من دوارٍ ؟
أنا : نعم, ولكن كنت أتناول المسكن .
الدكتور : منذ متى ؟
أنا : لا أعلم, منذ شهرتقريباً !
الدكتور : الأخبار ليست مطمئنة !
طلبت من الطبيب أن لا يخبر صديقتي مجد بأي شيء كان, وأن يخبرها بأني على ما يرام !
أخبرني الطبيب بأن لدي ورم خبيث في رأسي, عاتبني على عدم استشارة طبيبٍ منذ أن بدأت أشعر بالدوار ! أخبرني بأنه يجب أن يتم إزالة الورم من رأسي بأسرع وقت ! فهو في مرحلة متقدمة جداً !
ما كان مني إلا أن أصمت, سمح لي بالخروج من المشفى, وطلب مني أن أعود لإجراء الترتيبات اللازمة للجراحة !
ذهبت إلى المنزل, اسودت الدنيا بوجهي ! ليس خوفاً على نفسي ! ولا خوفا من المرض !
خوفاً على لؤي ! لم أخبر أحداً بالأمر ولا حتى والدي ولا أختي !
جلست أبكي وحيدة, أفكر بماذا يجب أن أفعل, أنظر إلى صورة أمي, أشكي لها ! كم تمنيت أن تجيبني ! كم تمنيت أن أحضنها وأبكي ! آه يا أمي ! لا أريد الجراحة ولا العلاج !
ما فائدة العلاج ! أفقد شعري من ثم أفقد شهيتي للحياة ! وأموت ! هذا إن نجحت العملية وتم استئصال الورم بنجاح !
إتصل بي لؤي, لم أجبه, لم يكن بإمكاني التحدث ! وماذا أقول له ! أقول له بأني على وشك الموت ! أم أني مصابة بالسرطان, كأمي وأمه ! أم أني على حافة الهاوية !


كنت أعلم نهايتي, وهو حتماً لو أخبرته سيعلم ! لم يكن ليرفض العلاج مثلي ! ولكن !
لم ترى عيني النوم طيلة الليل..
لؤي : ألو حبيبتي, هل أنت بخير؟؟ أين أنت؟؟ لماذا لا تجيبين على إتصالاتي !
أنا : لؤي, أنا أحبك ولكن...
آه يا قدري, آه يا جسدي المنهك, آه وألف آه يا قلبي الذي تمزق !
هو : ماذا هنالك ساره , اليوم يوم تخرجي ! ألن تأتي؟
أنا : لؤي.. أنا لا أستطيع.. أنا لا.. أنا لا أريدك..
هو : ساره.. ماذا تقولين؟؟
أنا : أنا لم أحبك يوماً, أتركني.. ابتعد عني ! أنا لا أحبك !
وأقفلت الهاتف, تركته, نعم تركته ! كيف لي أن أخبره بالحقيقة ! كيف لي أن أدفنه وهو على قيد الحياة !
تركته وقلبي يتمزق, تركته وألف آه تصرخ بداخلي, تركته وتركت قلبي لديه, تركته وتركت أحلامي, قتلته نعم, ولكن قتلت نفسي قبله ! طعنت قلبي بألف خنجر !
أحبه جداً, لم أتوقف عن حبه يوماً !
فقد أمه بهذا المرض ! كيف له أن يفقدني أنا أيضاً بنفس المرض ! كيف له أن يعيش بهذا الحزن المضاعف ! أعتقد أن هذا أفضل ! تركته وهو يعتقد أني خائنة وسينساني ! نعم سوف ينساني ! سوف يكرهني, لا بأس ! ولكن لن أجعله يفقدني بهذه الطريقة !
أصبحت جسداً بلا روح, جسداً خاوياً لا يحمل إلا اليأس والحزن ! أنتظر الموت بلا صبر ! أنتظر الموت مع فنجان القهوة والمسكنات !
تركت الجامعة, أهملت الجميع, حتى صديقتي مجد لم أخبرها !
ها أنا أنتظرك يا قدري, عجل خطاك من فضلك, أرجوك ! ما عدت أطيق هذا الهواء ! ما عدت أستطيع التنفس بلا روحي !

النهـــــــــاية ..

هناك تعليق واحد:

  1. أعجبتني الحكاية وأتمنى لكما السعادة

    ردحذف