وللحب مكانته وقدره في ديننا، فهو حقيقة إنسانية واقعة بعيدًا عما أصابه من فكر خاطئ وفهم مغلوط، ورسولنا (صلى الله عليه وسلم) هو آية المحبين عندما قال عن خديجة (رضي الله عنها): “إني رزقت حبها”، لكن هذا الحب الذي اعترف به الإسلام، وجعل له قدره وشأنه، ليس هو ما نراه في الشوارع والطرقات، لقد تبدلت هذه العاطفة السامية، وصارت مرادفة لنداء الرغبة والشهوة والجنس الرخيص، وخرجت على حدود العلاقة التي قررها التشريع الإسلامي، ونظمها بين الرجل والمرأة في إطار الزواج.
ولقد كان هلاك بعض الأمم السابقة كاليونان والإغريق نتاجًا طبيعيا لعدم مراعاة الضوابط الحاكمة للعلاقة بين الجنسين، والانغماس في الشهوات والترف والزني.
في شراك الحب
أن الشيطان لا ييأس من غواية ابن آدم، ويتدرج معه حتى يصل به إلى الفاحشة العظمى، وللعشق مراحل بعضها يسلم للآخر في خطوات هي: الاستحسان “بالنظرة المحرمة”، الإعجاب “تعلق قلبي”، الهيام والعشق، وهكذا أثمر الاستحسان والنظر فكرًا وانشغالاً، صادف قلبًا خاليا فتمكن منه، وبذلك يصبح العاشق ذليل محبوبه.
لهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
إن وقوع الفتى في حب الفتاة والعكس، وما يتبع ذلك من تجاوزات لا تأبه لخوف من إله أو رادع من ضمير، أو حساب لمجتمع له أسباب ودوافع عديدة يمكن إجمالها في:
(1) الجهل بالدين.
(2) قلة الحياء من الله سبحانه وتعالى.
(3) غياب القدوة الصالحة عن الشباب.
(4) سوء التربية وانشغال الأب وغفلة الأم، بعد أن صارت الأسرة – إلا نادرًا – مكانًا للتعليم فقط لا للتربية.
(5) الصحبة الفاسدة: فكما يقول الشاعر
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
فللصحبة الصالحة آثار لا تنكر وللصداقة الفاسدة أضرار لا تخفي
(6) الفراغ القاتل:
فإذا كان القلب فارغًا، فإنه يأمر الجوارح بكل خسيسة، ولذلك فإن شباب اليوم يعاني فراغًا عظيمًا على كل المستويات، فراغًا عقليا، وفراغًا قلبيا، وفراغًا نفسيا.
(7) المثيرات الخارجية من أفلام ومسلسلات وأغان تشجع على الرذيلة، وتدفع للهيام، والتعلق بالمحبوب، ومن تبرج للنساء، وتعر فاضح، وهذا يستلزم وقفة من أولي الأمر لبث ما هو نافع لشبابنا، وفتياتنا، وما هو أجدى للأمة، ففي دراسة أجريت على 500 فيلم تبين أن 72% منها يتحدث عن الحب والجريمة والجنس.
كما أظهرت دراسة أمريكية أن 29.6% من أفلام الأطفال تتحدث عن الحب بمفهومه الشهواني الخاطئ.
(8) الاختلاط غير المنضبط والثقة المبالغ فيها بين الفتى والفتاة؛ لذا فقد أوصى بعض الباحثين بالفصل بين الجنسين، واعتبروه علاجًا لكثير من المشكلات الأخلاقية والاجتماعية.
العواقب والآثار
ومن الطبيعي أن يثمر الفهم المغلوط لعاطفة الحب بين الفتيان والفتيات عواقب وخيمة تترك آثارها علي الجميع، ومنها:
- الصد عن الحق والنفور منه.
- ظلام القلب وسواده.
- دنو الغاية وحقارة الهدف.
- عذاب القلب وشغله بمن يحب، وما في ذلك من صد عن ذكر الله.
- ضياع الوقت فيما لا يفيد.
- العمي عن العيوب.
- ضياع المال وتبديده فيما لا يحل.
- سخط الله، وغضبه لما فيه من معاداة أوامره، وارتكاب نواهيه.
- تلويث السمعة وضياع العرض بحلو الكلام، وجميل الحديث.
وهنا سؤال علي لسان كل فتى وفتاة: هـل الحـب حـرام?
والمقصود بالحب هنا تلك العلاقات الشهوانية الرخيصة بين الشباب والفتيات.
ونجيب بأن الميل ليس جريمة ولا نوعًا من الإفساد، ولا فسادًا ينكر، إنما الذي يرفضه الشرع هو تلك الشهوانية المفتوحة بلا ضابط، يحارب الدين تلك اللحظات التي تعقبها الآلام والحسرات، فإذا كان مراد الله من العلاقة بين الجنسين استمرار الحياة، فإن ذلك لا يكون إلا بتنظيم محكم وضبط جيد لصور هذه العلاقات، كي تكون أداة بناء وعامل استقرار، وتأسيسًا على ما تقدم يتضح أن هذه العلاقة التي تسمى زورًا الحب ما هي إلا عشق منكر وحرام بين لا خفاء فيه.
وينطلق تحريم هذه العلاقة من القاعدة الفقهية “سد الذرائع” فالذريعة هي الوسيلة؛ لذا حرم الله تعالى الخمر، وحرم الخلوة بالأجنبية سدًا لذريعة الزنى، فكما حرم الله الزنى حرم كل وسيلة تدعو إليه.
ســبل العـلاج
من رحمة الله بعباده أنه لم يخلق داءً إلا وضع له دواء، وداء العشق أو تلك العلاقة المستهترة بين الشباب والفتيات ليست بمنأى عن العلاج والإصلاح إذا أحسنت النفع بالنصائح والوصايا التالية:
- الزواج: إذا تيسر السبيل لذلك لحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): “لم نر للمتحابين مثل النكاح”.
- حسم الأمر قبل وقوعه: {ولا تقربوا الزني}، {تلك حدود الله فلا تقربوها}.
فمن المهم ابتعاد الشباب والفتيات عن دواعي الإثارة من نظر ولمس ولقاءات ومصافحة.
- تدبر الأمر وإشعار النفس بعيوب هذا المحبوب، وإيثار المصلحة التي تعرفها الأسرة أكثر من الشاب والفتاة في هذه المرحلة الحساسة من مراحل حياتهم.
- غض البصر عما حرم الله، فالنظر أساس الشرور، ورسول الشيطان للقلب.
- محاربة الفراغ وشغل الوقت بما ينفع في الدنيا والدين.
- استشعار عظمة الله سبحانه، وأنه مطلع عليك، وأن الملائكة والجوارح والأرض كلها شهود عليك أمام الله سبحانه.
- معرفة أن الجزاء من جنس العمل، وأن المرء السوي لا يرضي ذلك لأخته أو لأحد من ذويه.
وصدق القائل: عفوا تعف نساؤكم، وتجنبوا ما لا يليق بمسلم.
- تذكر وتدبر الأضرار الناجمة عن مثل هذه العلاقات من أضرار دنيوية مثل تشتت الذهن، وضعف الذاكرة، وسوء السيرة، والغم العظيم.
- تخير الصحبة والبحث عن رفقة الخير، والخوف علي السمعة، والذكر الحسن بين الناس.
- قطع هذه العلاقة فورًا، والهروب من كل ما يقرب منها، والصبر على ذلك مع صعوبته في البداية.
“فمن صام عن الحرام في الدنيا أفطر على النعيم في الآخرة”.
وفي الخاتمة آراء أهل العلم في تحديد طبيعة العلاقة بين الشباب والفتيات بأبعادها الشرعية والاجتماعية والنفسية، فرأى علماء الاجتماع أن أبناءنا تأثروا بالمادية التي طغت على المجتمع، بينما ذهب أساتذة الإعلام إلى أن الإعلام يزيف الوعي، ويركز على القيم السلبية.
بينما يرى علماء الأخلاق أن أولادنا ضحيتنا، والدين هو قارب النجاة بما يدعو إليه من: إدراك الذات والغاية من الخلق، والالتزام والتسلح بقيم الدين ومثله، وتنمية الوازع الديني، ومجاهدة النفس، وتحقيق الأمن العاطفي في البيت، وتحقيق الحب المتبادل بين جميع أفراد الأسرة، والمتابعة، والتقويم المستمر من الوالدين لأبنائهما وقاية لهم من الوقوع في المحظور.
إرسال تعليق